الإستروجينات oestrogènes هرمونات ستيروئيدية يفرزها المبيضان و المشيمة كما تفرزها الخصية والكظر بمقادير أقل، تستقلب في الكبد وتنطرح مستقلباتها بطريق البول والبراز. تأثيرها الذي عرف أولاً إثارة الوداق oestrus ومنه اشتق اسمها باللاتينية، ولها تأثيرات أخرى في جهاز المرأة التناسلي وفي غيره من الأجهزة، وأمكن صنع إستروجينات تركيبية مختلفة.
التركيب الحيوي والاستقلاب والانطراح
الهيكل الأساسي في الإستروجينات كما في كل الستروئيدات ـ (عدا الدي ستيلبسترول والدينسترول) هو الـ tetra cyclique du cyclo-perhydro - pentano- phénantrène وهناك ثلاثة إستروجينات طبيعية يحوي كل منها 18ذرة كربون سميت كلها الستيروئيدات الفينولية، لوجود وظيفة فينولية في 3من الحلقة A وهي: الإسترون أو الفوليكولين أو الهرمون الجريبي، والإستراديول والإستريول، يبين الشكل (1) صيغتها المختصرة.
الشكل (1) الصيغ المختصرة للستيروئيدات الفينولية
تتكون الإستروجينات في المرأة في سن النشاط التناسلي بشكل دوري يتماشى مع أطوار الدورة الطمثية، فالطبقة القشرية الداخلية من المبيضين في الطور الجريبي من الدورة الطمثية هي التي تكوّن الأندروجينات اللازمة من الكولسترول ثم تحولها إلى إستروجينات، وذلك بسلسلة طويلة معقدة من التحولات والتفاعلات الكيمياوية وبوساطة بعض الأنظيمات، وتحت تأثيرالجملة العصبية والوطاء hypothalamus وهرمونات الفص الأمامي النخامي الموجهة للمنسل (الغدة التناسلية)، وتنتهي بتشكل الإسترون من الأندروستينديون androsténedione والإستراديول oestradiol من التستوسترون testosterone، ويتوازن الإسترون والإستراديول في الجسم بتفاعلات قابلة للعكس بينهما وبفعل إنظيم نوعي .
أما في الطور اللوتيئيني فيقوم الجسم الأصفر الوظيفي بتركيب الإستروجينات بدلاً من قشرة المبيضين.
وفي أثناء الحمل يُنتج الجسم الأصفر الحملي في الأسابيع الاثني عشر الأولى كميات كبيرة من الإسترون والإستراديول (حتى ug500 /24 ساعة)، وتفرز المشيمة بعد ذلك كميات كبيرة من الإستريول (قد تبلغ 20- 25مغ/ 24ساعة )، وذلك بتحويل طلائع الستيروئيدات الأندروجينية التي يفرزها كظر الجنين إلى إستريول أو إلى إسترون ـ إستراديول، وتنتقل هذه الهرمونات بطريق الدم إلى الحامل. والإستريول، الذي هو المستقلب الكبدي للإسترون والإستراديول خارج أوقات الحمل، يصبح في أثنائه هرموناً مسيطراً شاهداً على حياة الوحدة الجنينية ـ المشيمية، وتبقى العلاقة بين هذه الهرمونات الثلاثة ثابتة:
إستريول
= 10
إسترون + إستراديول
أما في الرجل فتنتج خلايا ليديغ Leidig في الخصيتين الإستراديول والإسترون. ويحدث تقويض catabolisme الإستروجينات في الكبد بآليتين:
ـ يتحول الإستراديول والإسترون بتأثير إنظيم معين إلى مشتق إستروني ثم إلى إستريول ويتحول جزء قليل منها إلى مشتقات متيلية. وهناك توازن فيزيولوجي بين هذه الإستروجينات الداخلية المنشأ، فالعلاقتان:
إسترون
و
إستريول
+ إسترون
إستراديول
إستراديول
ثابتتان نسبياً بفعل إنظيمات خاصة.
ـ مختلف هذه الإستروجينات تصبح بعد ذلك مقترنة conjugués بشكل غلوكورونيدات (95%) أو سولفات (5%)، وتؤدي دورة معوية كبدية إلى دوران الإستروجينات في الدم، وينطرح 65% منها مع البول و10% مع البراز بشكل إسترون سولفات أو بشكل مقترن مضاعف إسترون غلوكورونيد ـ سولفات. وإن الإستروجينات التي تجول في الدم هي حصيلة التوازن بين إفراز هذه الهرمونات واستعمالها في النسج المتقبلة (الرحم والثديين والدماغ والنخامى) أو تراجعها الاستقلابي في هذه النسج. وسواء أكانت هذه الهرمونات الستيروئيدية حرة أم مقترنة فإنها مرتبطة بألبومين المصل بنسبة 90%، والهرمون الحر هو وحده الفعال لأن المركب إسترون ـ بروتئين لا يستطيع اجتياز الغشاء الخلوي.
وتختلف كمية الإستروجينات التي تجول في الدم بحسب أطوار الدورة الطمثية تبعاً لتأثير موجهات المنسل (الغدة التناسلية) المتبادل، إذ ترتفع الإستروجينات تدريجياً بعد الطمث حتى تصل إلى الذروة قبل البيض، ثم تهبط لتعود للارتفاع من جديد بعد البيض لتبلغ ذروة جديدة توافق ذروة عمل الجسم الأصفر، ثم تهبط تدريجياً لتبلغ أخفض مستوى قبل الطمث مباشرة. وتبدو في الجدول التالي مقادير الإستروجينات الثلاثة في البول في أثناء الدورة الطمثية (ومن المعلوم أن منحنى الإستروجينات في البول يوازي المنحنى في المصل).
أما بعد انقطاع الطمث فيهبط مقدار الإستروجينات بشدة حتى أقل من 10 Ml/Pg للإستراديول وأقل من 30 Ml/Pg للإسترون.
التأثيرات الفيزيولوجية
تعرف الإستروجينات بأنها هرمونات الأنثى الجنسية، وهي في الواقع كذلك، لأنها تؤثر في كثير من صفات الأنثى المميزة كتوزع الشحوم ونمو الثديين والأعضاء التناسلية الظاهرة وتؤثر في نمو كل النسج المشتقة من قناتي مولر.
وعدا هذه التأثيرات في جهاز المرأة التناسلي وصفاتها الثانوية، تؤثر في الغدد الصم وفي مراقبة بروتئين الدم وشحومه وفي النسج الداعمة ولا سيما في الجهاز الوعائي والعظام.
التأثير في الجهاز التناسلي: يبدأ البلوغ عند الأنثى بزيادة مفرزات موجهات المنسل النخامية التي تحرض المبيض على إفراز الإستروجينات التي تؤدي إلى سرعة نمو الرحم والمهبل والغدد التناسلية الملحقة في الأعضاء التناسلية الخارجية والحوض والثديين وأشعار العانة والإبطين.
وفي سن النشاط التناسلي يبدو تأثير الإستروجينات في كل أعضاء الجهاز التناسلي.
ـ فالمهبل يزداد تكاثر خلايا بشرته، وتحل فيها محل الخلايا المكعبة المنخفضة المؤلفة من طبقتين أو ثلاث طبقات، طبقات كثيرة من خلايا تتقرن السطحية منها تقرناً وصفياً تختلف شدته و نسبته تبعاً لأطوار الدورة الطمثية، وقد وصف بابا نيكولاو هذه التبدلات واتخذها وسيلة لتقدير تبدلات الإفراز الإستروجيني.
ـ وعنق الرحم يلين مع زيادة إفراز الإستروجينات وتنفتح فوهته ويظهر المخاط الذي يفرز ويصبح سيالاً ليساعد حركة النطف في اجتيازها العنق لداخل الرحم.
ـ وجسم الرحم يزداد حجمه وتثخن بطانته وتفرز أوعيته وتنمو غدده.
ـ والبوقان تزداد حركتهما.
ـ والمبيضان تنمو فيهما جريبات دوغراف ويتحرض تركيب البروستاغلاندين الذي يسهل البيض في نهاية الطور الإستروجيني للدورة الطمثية.
ـ والثديان تنمو فيهما القنوات اللبنية وتتلون الهالة وتنتعظ الحلمة.
التأثير في الغدد الصم: تؤثر الإستروجينات كذلك في الغدد الصم تأثيرات مختلفة.
ـ فالنخامى، التي يؤدي موجه المنسلF.S.H الذي تفرزه إلى تحريض المبيض على إفراز الإستروجينات، تتأثر بهذه الإستروجينات تأثراً عكسياً، إذ تلجم فيهاإفراز الـ F.S.Hهذا منذ بدء الدورة الطمثية حتى قبيل البيض حينما تصبح كمية الإستراديول في الذروة، فتنخفض كمية الـ F.S.H وتزداد كمية L.H حتى تبلغ الذروة بعد 24-36 ساعة مما يؤدي إلى تحريض البيض.
والوطاء يتأثر بالتلقيم الراجع feed back الإيجابي والسلبي لمراقبة إفراز موجهات المنسل النخامية.
ويزيد فيه إفراز النوروفيزين neurophysin وهو ببتيد وطائي.
ويحرض إفراز إنظيميين وطائيين هما الاوكسيتوسيناز oxytocynase الفاعل في تدرك degradation الاوكسيتوسين والـ L-cystin arilamydase المؤثر في تدرك الـ LRH.
ـ والدرق يدل على تأثرها ميل النساء للإصابة بفرط نشاط الدرق والوذمة المخاطية أكثر من الرجال، وظهور هذه الآفات غالباً حين البلوغ وفي الحمل وفي سن انقطاع الطمث، كما تؤدي الإستروجينات إلى زيادة كمية التيروكسين الدموي المقترن بالغلوبولين، وبالمقابل يزيد فرط نشاط الدرق الإستروجين المقترن بالبروتين زيادة ظاهرة.
ـ والكظر تزيد فيه كمية الكورتيزول المقترن بالبروتين وكمية الترانسكورتين.
ـ والمعثكلة يزيد فيها إفراز الأنسولين وقد يكون ذلك عن طريق النخامى، كما تظهر البيلة السكرية في الكلاب والقردة المستأصلة معثكلتها وقد يكون ذلك عن طريق الكبد إضافة إلى زيادة إفراز الأنسولين.
ـ والتيموس يضمر بإعطاء الإستروجينات.
التأثير في الاستقلابات: هناك تأثير في استقلابات مختلفة منها ما يلي:
ـ استقلاب الكلسيوم: تثبت الإستروجينات الكلسيوم في العظام، لذلك يؤدي نقصها في مرحلة البلوغ إلى عيب في التحام المشاشات، كما يؤدي نقصها الكبير بعد سن انقطاع الطمث إلى الإصابة بتخلخل العظام وكثرة حدوث الكسور المرضية ولا سيما كسور عنق الفخذ.
ـ استقلاب البروتينات: تنبه الإستروجينات استقلاب البروتينات فيزيد عدد من بروتينات الدم النوعية ولا سيما في أثناء الحمل كالتيروكسين المقترن بالغلوبولين (وهو بروتين نقل الهرمون اليودي مما يؤدي إلى ظهور فرط نشاط الدرق عند الحامل)، والترانسكورتين (وهو بروتين نقل الكورتيزول مما يؤدي إلى ظهور أعراض فرط الكظر في أثناء الحمل كذلك)، والانجيوتانسين، والعامل المخثر التاسع IX، وفيبرينوجين المصورة.
ـ استقلاب الشحميات: تزيد الإستروجينات استقلاب الشحميات وتؤدي إلى حدوث مجمعات شحمية في النسج تحت الجلد ولاسيما في منطقة الثديين والوركين والإليتين.
ويرى بعضهم أن الإستروجينات تزيد خاصة الليبوبروتينات العالية الكثافة high density lypoprotein (HDL) وتنقص الليبوبروتينات المنخفضة الكثافة low density lypoprotein (LDL). ولما كان عمل الـHDL نزع الكولسترول المتراكم على خلايا جدران الأوعية وحملها إلى الكبد لتخريبها، فإن ذلك يؤدي إلى الوقاية من الأمراض العصيدية في القلب والأوعية، ومن المشاهد كثرة هذه الحوادث عند النساء بعد انقطاع الطمث أي حين تنخفض مقادير الإستروجينات انخفاضاً كبيراً.
على أن بعض النساء اللواتي يحملن ميلاً وراثياً قد يصبن بارتفاع الضغط الشرياني إذا تناولن كمية من الإستروجينات.
ـ عناصر الدم: تزيد الإستروجينات عوامل تخثر الدم ولا سيما العوامل II وVII وIX وX مما يؤدي إلى ظواهر الصِّمات emboli فيمن يستعملن الإستروجينات مدة طويلة كاستعمال حبوب منع الحمل.
ـ الماء والإلكتروليتات electrolytes، تزيد الإستروجينات انحباس الماء والإلكتروليتات في النسج مما يفسر حدوث الوذمة قبل الطمث وفي أثناء الحمل.
ـ السرطانات: يؤدي إدخال مقادير كبيرة من الإستروجينات في حيوانات التجربة إلى حدوث السرطان في النسج الحساسة بهذه الهرمونات كالرحم، ويفسر ذلك بالتنبيه الكبير للفعاليات الانقسامية activités mitotiques والانقسام الخلوي الناجمة عن إعطاء الهرمون.
زيادة إفراز الفوليكولين: يزداد إفراز الإستروجينات بدئياً (كما في الورم الفوليكوليني المفرز في المبيض، أو الحثل dystrophy الكيسي المفرز)، أو ثانوياً لتحريض من منشأ نخامي ـ وطائي، أو نتيجة معالجة شديدة بالإستروجينات، أو بسبب فرط حساسية الرحم غير الطبيعية.
تشاهد في هذه الحالات متلازمة الضغط قبل الطمث (احتقان الثديين، وانتفاخ البطن، والنزق) أو النزف بفرط التنسج hyperplasia الغدي ـ الكيسي أو انقطاع الطمث بفقد التوازن الإستروجيني ـ البروجستروني. ومتلازمة فرط الفوليكولين شاذة في الرجال وتنجم عن ورم في الخصية أو في الكظر وتتظاهر سريرياً بالتأنيث.
نقص إفراز الفوليكولين: نادراً ما تكون متلازمات نقص الفوليكولين معزولة لأنها تؤدي إلى غياب البيض ونمو الجسم الأصفر، وتترافق لذلك بنقص اللوتئين، وتنشأ في الغالب عن اضطرابات مبيضية (كالتهاب المبيض وخلل تكون المبيض dysgenésie ovarienne) أو عن قصور نخامي ـ وطائي (كالإصابة بورم الفص الأمامي النخامي أو نخره بعد الولادة)، وتتظاهر سريرياً بعد البلوغ بانقطاع الطمث أو بالعقم.
انتهى ...