المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قَهوةُ الإفطار


جيزانية
21-09-2007, 05:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في لحظةٍ يَرتفعُ فيها الإعلامُ الرباني مُعلناً للنفوسِ المؤمنةِ أن تُطلِقَ لنفسها العنانَ بَعد أن قامتْ بالإمساكِ نهارَ ذاك اليوم _ و كُلِّ يوم _ فتلتقمُ رُطَبَاً طيبةً ، و تطرُقُ بابَ ربٍّ رحيمٍ ، فرحها بإدراك تلك الساعة لا يقلُّ شأناً عن فرحها ببلوغِ الشهرِ .

تَرتَشِفُ بِشفاهٍ طيبةٍ طاهرةٍ آنيةً صغيرةً جميلةً ، ذاتَ أشكالٍ لطيفةًٍ ، تحتوي قهوةً عربيةً ، أصيلةَ العِشْرَةِ بالعربيِ ، تلك القهوة التي أخذتْ من الأباءِ و الأجدادِ قلوبَهم فصيَّرُوها ضراتٍ غيرَ ضارَّاتٍ لآزواجهم ، و جعلوها عشيقةً يتقصَّدونها بأشعارِهم ، و يتنافسون في تجويدِها .

راقَتْ لي يوماً و أنا أرتشفُ منها رشفةً تشنَّفت الأُذنُ بصوتِ معناها ، موحيةً إليَّ خطاباً حُلواً جميلاً ، أدرَكْتُ المعنى المرسول ، و فَقَهْتُ المنقول ، فكانَ أن كتبتُ ، و قيدتُ ، فنظرتَ ، فقرأتَ .

النَّبْتَةُ : القهوةُ نباتٌ ، يُدفَنُ ، فيُسْقى بَذْرُه ، فينمو ، بعد زمنٍ مُقدَّرٍ لَه ، و في زمنٍ مُعَيَّنٍ ، و ليست كلمحِ البصرِ بَرَزَتْ ، كما أنها لن تنبُتَ بجودةٍ ما لم تَذُقْ طعمَ الدَّفْنِ .
فَدَفْنُ الشئِ و إخمالُه ليكون ظهوره بجودةٍ و قوةٍ كمالٌ ، إذِ الدَّفنُ حُسْنٌ في التربية ، و كمالٌ في الإنباتِ ، و الزَّرْعُ دونَ دفنٍ هلَكة .

فليَكُن مِنَّا دَفْنُ أمورنا ، و كتمانُ أسرارنا ، فإذا حانَ زمنُ الحصادِ كان النتاجُ طيباً ، و الثمر مأكولاً ، و بالضِّدِ ضِدٌّ .

و ما كلُّ ما دُفِنَ مُمْتَهَنٌ ، فالدرُّ في الصَّدَفِ ، و الصَّدَفُ في قاع البحرِ ، و لا يَصِلُ عُمْقَ البحر إلا ماهرُ غَوصٍ ، فالكريمُ يُخفَى كي لا يُمتَهَن .

التحميس : تُقتَطَفُ القهوةُ ذات لونٍ نباتي ، فتُوْضَع على نارٍ لِتُحَمَّسَ ، و نادراً ما تُرتَشف دون تحميسها ، فكمالُ لذتِها في إحراقِها .

البقاءُ على أصلِ شئٍ دونَ تغييرٍ له ليس محموداً في كلِّ الأحوالِ ، و دوامُ الحالِ قد يكون ذماً ، و لا يظهرُ كمالُ الشئِ إلا بعد أن يُمتَحَنَ ، فيُنتَفَعُ بِهِ ، فالإحراقُ إشراقٌ ، و كَيُ الذاتِ طَيُّ الهِنَاتِ ، و كلَّما زِيْدَ في الكَيِّ بان الذهبُ ، و تميَّزَ الكبريتُ ، و الزيفُ طيفٌ .

لم يُقَصَد شئٌ من أشباهِ القهوةِ بالإحراقِ و التحميسِ ، لأنَّه ليسَ مرْغوباً في كمالِه ، و لا مطلوباً ليُنتَفَعَ بِهِ ، فليسَ كلَّ محروقٍ ممحوق ، و ليسَ كلَّ حَبِّ يُحَب .

اللون : أصلُها خضراء ، و عند التَّحميسِ لها على النارِ يبدو التذوُّقُ في التفنُّنِ في تحميسها ، فإما أن تكونَ مائلةً إلى اللونِ البُنِّي ، و إما أن تكونَ مائلةً إلى السواد _ على اختلافِ تدرُّجاتِهما _ ، و لا تُرْغَب في لونها الأصلي _ إلا نادراً _ ، و لا تُستَطْعَم إلا بسوادها .

لكلِّ لونٍ أثَرٌ و فائدة ، ففي سوادِ الليلِ أُنْسُ المحبِّ ، و هدأةُ البالِ ، و سكينةُ القلبِ ، و في بياضِ النهارِ وُضوحُ الرؤيةِ ، و إبصارُ الدربِ ، يُسْرُ العمل .

هكذا الحريقُ يُحدثُ لونَاً ، و لونُ المعنى أشدُّ من لونِ المبنى ، حُسْناً و سوءاً ، جمالاً و قُبحاً ، فما كلُّ حمراءَ لحمة ، و ما كلُّ بيضاءَ شَحمة ، فاللونُ غرارٌ خدَّاعٌ ، فالميزانُ ما خلْفَ اللونِ لا اللون .

المرارةُ : القهوةُ العربيةُ تميَّزَتْ بمرارتها ، و تميُّزها بها من أجملِ صفاتها ، و أكملِ سِماتها ، فعلى كونها مُرَّةً إلا أن اللذَّةَ تأخذُ المرتَشف بنشوةٍ لا يكادُ يُخفي معالمَها من على وَجهه . عَجباً لُمُرَّةٍ تُورِثُ لذةً !

و لا يقفُ عندَ ارتشافها مرةً واحدةً بل يأخُذُه التَّكرارُ لذلك ، فيزداد تلذُّذُهُ بمرارتها ، حتى لربما أتى على كمٍّ كبيرٍ من شُربِ آنيةٍ منها .

فليسَ كُلّ مُرٍّ سيئاً ، و ليسَ كل حلوٍ حَسناً ، فكانَ ما نُريدُه حلواً فهو كذلك و لو كانَ علقماً ، و ما أردناهُ مُرَّاً فهو كذلك و لو كان عسلاً صافياً .

حينَ نُصاب بالأمورِ المُرَّة ، و الأحوالِ العلْقَمية ، إما أن ندعها تسري علينا كما هيَ ، فنكون في نظرتنا متأثرينَ ، مغلوبينَ ، في دَوْرِ الضحية .

و إمَّا أن نقفَ و نقلبَ المعيارَ و نتلذَّذَ بتذوُّقِنا للجانبِ الآخر
فنُصبحَ في دَورِ المُؤَثِّرِ الغالبِ المُنتصِرِ .

كم هي تلك الأحداث التي مرَّتْ بنا ، فأخذنا جانبَ الشؤْمِ ، و تركنا كثيراً من الجوانبِ الحَسَنَةِ ، فقلْبُ المُرِّ إلى حُلْوٍ مُمكنٌ ، كما هو في القهوةِ .

الهالُ ( الهَيْلُ ) : يُوضَعُ معها ، بعد تمامِ غليانها ، و تجهيزها للتقديم ، يُعطيها نَكْهةً كمالية ، تَدْعَمُ نكهتها الأصلية ، و البعضُ يَعُ القُرنفل أو الزعفران ، قَد لا تُقَدم و لا تُشْرَب بدون شئٍ من ذلك ، إلا عند الضرورة ، و الضرورةُ لا مُعَوَّلَ عليها .

الإطراءُ الحسَنُ يُعطينا شيئاً من الإقدامِ على الثقةِ بما نسعى إليه ، فليكُنْ ترويجنا بتحسينٍ و تكميلٍ ، و إلا فلنْ يُقبَلَ شئٌ دونَ تبيينٍ لميزاتِه و صفاته ، فالذواتُ تتشابَه ، و تتمايزُ بالصفاتِ ، فمن أظهرَ قدرَهُ قُدِّرَ .

قهوةُ الإفطار : في ذاك الوقت ، و بعد ساعاتٍ من الانتظارِ ، تتمتَّعُ بقهوتك ، لِتنطلِقَ في :

الارتشاف : هنا مَشْهدٌ جميل ، حينَ تَرتشِفَ القهوةَ من إنائها الخاصِّ بِها ، تعتريكَ النشوةُ ، و تأخُذك اللذةُ ، متمتِّعاً بِـ : مرارتها ، و لونها ، و حرارتها ، و إنائها ، فلم يمنعك سوادها عن التلذُّذِ بِها ، و لا حرارتها ، و لا مرارتها ، حيثُ كانتْ رَغْبَتُكَ هي الباعثَةُ ، و همتُك هي الدافعة ، و إصرارُكَ هو المعينُ .

فلْتَكُنْ في مسيرتِك لهدفك و غايتك كمسيرة القهوة عند الإفطار إليك ، و بعد الارتشاف يكون انطلاقُكَ ، فلا ترْجِع إلا لغايةٍ ثانية ، و هدفٍ آخر ، و هكذا في سلسلةٍ من مراحلِ بروزِ : قهوة الانتظار .

آهٍ ، كم هي المعاني في تلك القهوة
أزدادُ يقينا بأنَّ كلَّ شئٍ فيهِ درْسٌ ، فلنقتَبِس ، تحيتي لكَِ .


منقوووووووووووووووووووووووووووووووول

* عذبة الاطباع *
21-09-2007, 05:07 PM
جزاك الله خير على الموضوع الرائع

والله يتقبل منا ومن كل مسلم صيامنا وقيامنا

Dudii
21-09-2007, 05:08 PM
اشكركــ .. اختيــ .. عالنقلهــ .. الراائعهــ .. لكــ .. وديــ

*الفجر البعيد*
21-09-2007, 10:26 PM
جزاك الله خييير ....


والله يعطيك العافيه..

مـنـتـهـى الـرقـه
27-09-2007, 12:38 AM
يسلموووو

يعطيك العاااااافيه

تقبلي مروري يا غلا

<<بنوته عسوله
08-10-2007, 04:52 AM
الله يعطيك الف عافيه

weet girl
10-10-2007, 05:08 PM
الله يعطيكي العافية حبيبتي

يسلمووووووووو

weet girl
10-10-2007, 05:09 PM
انشاء الله انشوف جديدك